وكالة عطية – ملحمة خيري شلبي

أصبحت مفتونا بالأصبحة في فناء الوكالة أتفرج عليها من ضجعتي فوق المصطبة في حجرتي. أصبحت فاتنة، تغير ألوانها في بطء جميل ساحر، من الاردوازي إلى الطباشيري إلى الوردي إلى الذهبي، عابقة بروائح طازجة. وفي مرحلة الاردوازية من هذا الصباح كنت مندمجا في قراءة ديوان بيرم التونسي تستلبني حواريه المصرية العتيقة بناسها ولبطها ووحلها ونسوانها الشبقات السليطات

انتهيت لتوي من قراءة عمل ملحمي مبدع للأديب الراحل خيري شلبي، وهو وكالة عطية، حيث تتحول الوكالة إلى مسرحاً أشبه بصندوق الدنيا، تتشابك فيه الأحداث والشخوص في بناء مرصوص من الحبكات الدرامية التي تنقلنا إلى عالم متكامل من المهمشين والأشقياء، فنغوص في تفاصيل حياتهم واحدا تلو الآخر، نتلصص على مآسيهم ونتعرف على أساليبهم في التحايل على مصاعب الحياة. تتعاقب الفصول وتتسارع، تتكشف جوانب مدهشة من شخصيات أبطال الرواية، فنراهم في أوقات الشدة قد تحولوا إلى نبلاء لا تنقصهم الشهامة ولا يتنكرون للجميل.

يرسم خيري شلبي عالماً من الواقعية السحرية، يختلط فيه النصابون والدجالون بالإخوان المسلمين، وتجار المخدرات بالأفندية، ويبرع في تشريح وتعرية واقع اجتماعي فريد من خلال قصص أبطال الرواية في مدينة دمنهور وما جاورها. تتركنا الرواية بمجموعة ضخمة من المشاهد الصادمة والتي يصعب نسيانها: سيدة من النَور تجبر القرد الذي يصاحبها على اتيانها، رجل يطوي المسافات بالمشيئة، مداح في الموالد يبحث عن حبيبته الضائعة، مشاهد انتهاك البسطاء من قبل الجهاز الأمني في عهد عبد الناصر، وغيرها الكثير. أترككم مع فقرة قصيرة:

إنك تلمح في قاع عينيها البعيد ظلال عهر عريق لعله راجع إلى أمنا حواء حريفة الإغواء. غير أنك لن تستجيب لنداء هذه الظلال على الأقل لأول وهلة. إلا أن الخطر لا بد محدق بك إذا مكثت معها طويلاً وألفتها وألفتك

fullsizerender